حين تُصبح الشهادة صوت العقل في زمن الجنون

كتب الأستاذ "إسلام الغمري" نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية ضمن المقالة الأولى من سلسلة (1 - 8) من سلسلة: عصام دربالة… شهيد الاتزان وقائد البناء، ما يلي:
مقدمة السلسلة:
في الذكرى العاشرة لرحيل القائد الشهيد الدكتور عصام دربالة، رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، أكتب هذه السلسلة وفاءً وبيانًا، لا من باب التوثيق وحده، بل من باب البناء والاستلهام للأجيال القادمة.
لقد تشرفتُ بالعمل تحت قيادته، ومرافقته عن قرب، فشهدت بعيني حكمة المتبصّر، وحزم المربّي، ورفق القائد، ووضوح الرؤية الذي كان يتمتع به، وإيمانه العميق بأن القيادة ليست انفرادًا، بل روح فريق ينهض ويتشارك.
التوازن في زمن الاختلال
في لحظة تاريخية تفجّرت فيها الأزمات وتهاوت فيها الموازين، ظلّ الدكتور عصام دربالة يُجسّد المعنى العميق للاتزان.
لم يكن حياديًا في المواقف، بل منحازًا للعقل والمبدأ، في زمن كان فيه الانفعال أعلى صوتًا، والانقسام أكثر حضورًا.
لم يركن إلى الجمود، ولم ينجرّ إلى العواطف، بل كان يرى السياسة وسيلة لتحقيق القيم لا لتضييعها، ويؤمن بأن الموقف الحق يجب أن يُقال، لكن بميزان الوعي لا مجرد الرد.
قيادة تستنهض لا تتفرد
من أبرز ما ميّز دربالة – رحمه الله – إيمانه الراسخ بمبدأ الشورى.
لم يكن قائدًا متفرّدًا بقراره، بل يفتح المجال لزملائه ومَن حوله لممارسة القيادة والتعلّم والتدرب. كان يرى أن القيادة لا تصنع الرجال، بل الرجال يصنعون القيادة عندما تُعطى لهم الثقة والمجال.
وقد كان يُدقّق ويحكم، ويُحاسب بدقة، لكنه لم يكن يومًا جافًا أو قاسيًا، بل كان حازمًا بأخلاق جمّة، رقيق العبارة، بعيدًا عن التجريح، ثابتًا على المبدأ.
رؤية تستشرف المستقبل
كان دربالة من القلائل الذين ينظرون إلى ما وراء اللحظة، ويقرأون الحدث في سياقه وبما يترتب عليه.
كان صاحب عقل استراتيجيّ راجح، لا يكتفي بمعالجة الأعراض، بل يغوص في الجذور، ولا يلتفت إلى تحت قدميه، بل يُحلّق ببصيرته إلى آفاق الغد.
ولذلك كان كثيرًا ما يُحذر من ردّات الفعل غير المدروسة، ويدعو إلى مواقف تتّسم بالحكمة والعمق، لا بالمزايدة والصخب.
الصمت الحكيم… والشهادة المتكلمة
حين سقط دربالة شهيدًا في محبسه، لم يكن الأمر نهاية مسار، بل ذروة لصراع طويل خاضه بالعقل لا بالشتائم، وبالإصلاح لا بالتحريض.
تحمّل الظلم في صمت، لكنه لم يسكت عن الحق، وتألّم في جسده، لكنه ظل يُوجّه ويرشد ويُنقّح ويقود حتى اللحظة الأخيرة.
كان صمته موقفًا، وهدوءه صوتًا مرتفعًا للحكمة. لم يبحث عن بطولة، لكنها جاءته وهو في قمة وعيه ونضجه وإنسانيته.
الإنسان قبل السياسي
رغم موقعه القيادي، ظلّ عصام دربالة قريبًا من الناس، متواضعًا في حضوره، صادقًا في مشاعره، لا يُفرّق بين صغير وكبير.
يستمع، يتأمل، يُصلح، يتجاوز، ويحتوي.
وكان في عمله يُشجّع روح الفريق، ويُشيد بجهد كل فرد، ويؤمن أن القيادة الجماعية أكثر نفعًا من القيادة الفردية مهما بلغت.
لقد كان مدرسة في دماثة الخلق، وكبيرًا في تقبّل النقد، وعظيمًا في ردوده الهادئة والمقنِعة.
القدوة التي نحتاجها
في زمنٍ تضيع فيه المعاني، وتتصدّر فيه صور زائفة للبطولة، نكتب عن عصام دربالة لأنه النموذج الحي للقيادة الرشيدة والبصيرة المتّزنة.
نكتب عنه لأنه أثبت أن القيادة لا تعني الصراخ في المنابر، بل صناعة الوعي والبناء على المدى البعيد.
نكتب عنه لأنّه:
• لم يسكت عن الخطأ، بل كان يُعلّم ويصحّح ويوجّه.
• ولم يتجاوز القواعد، بل كان يُنصت ويناقش ويُشرك.
• ولم يُساير الباطل، بل كان صامدًا هادئًا ناطقًا بالحق.
خلاصة المقال:
عصام دربالة هو خلاصة جيلٍ ناضج، وصوت فكرةٍ متماسكة، ورمز قائدٍ يُصلح وهو يُربّي، ويقود وهو يتواضع، ويُضحّي وهو يبتسم.
شهادته كانت تتويجًا لحياةٍ عميقة، لا لنهاية مسار.
في المقال القادم: (2/8) القيادة المتّزنة… دربالة في مواجهة الغلو والاستبداد (İLKHA)
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
ينتقد الأستاذ حسن ساباز صمت العالم الإسلامي أمام المأساة في غزة وغياب الدعم الإنساني والمسلح، ويُبرز وصية الصحفي الشهيد أنس الشريف الذي نقل الحقيقة بشجاعة حتى استُشهد، ويؤكد أن شهادته كشفت وجه الاحتلال القبيح وألهمت استمرار النضال والتمسك بالقضية الفلسطينية.
يندد الأستاذ محمد إشين باغتيال الاحتلال الصهيوني للصحفي أنس الشريف في غزة، معتبرًا ذلك استهدافًا ممنهجًا لإسكات صوت الحقيقة، ويؤكد أن قتل 238 صحفيًا منذ طوفان الأقصى يعكس وحشية الاحتلال وخسارته الأخلاقية والإنسانية رغم صمت المجتمع الدولي.
يحذر الأستاذ بكر تانك من أن الولايات المتحدة، بعد إخضاعها الأنظمة العربية عبر "اتفاقيات إبراهيم"، تسعى للهيمنة على الشعوب التركية من خلال السيطرة على ممر زنكزور، ما يهدد استقلال المنطقة.
شارك الأستاذ "إسلام الغمري" مقالته الدورية لوكالة إلكا للأنباء، ليتحدث فيها حول اغتيال الكيان الصهيوني للصحفي الغزاوي أنس الشريف وأصدقائه، ومشيراً إلى أهمية الرسائل التي أوردها في وصيته الأخيرة.